كنت أقول ضاحكا أنّ أجهزة الأمن السّياسي هي المسؤولية
عن تدهور مستوى الشعر و القصّ, و أشكال أخرى من الإبداع
الأدبي و الفنّي, ففي السجون-التي كانت تساق أليها النّاس على امتداد
كل العهود-تتوقد عواطف,و تنثال ذكريات, سرعان ما تدفع
كثيرين لكتابة رسائل شوق لتلك الدنيا التي لا تدرك بهجتها الأ حين
تصدّك عنها أبواب الزنازين, و بنادق الحراس و أسوار
السجون...و عادة ما تقود هذه الرسائل أصحابها لنظم الشعر
و قصّ القصص, و أحيانا لنحت التماثيل, و تلوين التّصاوير.
و لأن جيلنا من المشتغلين بالسياسة و الكتاب و الأدباء و الفنّانين
كان يحلم أحلامه كما يحمل صلبانه,فقد التقينا في الزنازين كثيرا,
و تعارف أكثرنا بين جدرانها,خلف هذه الجدران نشأت صداقات
و نبتت مودّات,فليس كالسجن مكان يتكشّف فيه الناس على حقيقتهم
و فيها سمعت من الشعر أعذبه, و قرأت من القصص أجملها,و اكتشفت
ألوانا من الغناء الشجي. و بين جدرانها عانيت من ذلك الفن الذي
شنعت بسببه على أهل البصّ و الحبس, فأضفت إلى قائمة الاتهامات
التاريخية الموجهة إلى البصاصين العاملين في أجهزة الأمن السياسي
تهمة: أفساد مستوى الإبداع.
فلولا أنهم ساقوا الناس إلى ظلام الزنازين أفواجا, ما توقدت عواطف
توهم أصحابها أن ما يكتبونه من كلام ركيك, هو فنّ.
و ذات مرّة, أقمنا احتفالية شنّعنا فيها على هذا الشعر, و ذلك
القصّ, فألقى صديقي المهندس "تيمور الملواني"....قصيدته الشهيرة
التي يقول في مطلعها "أحببتك...تلك المصيبة...في حق البشرية"
و ألفت بالاشتراك مع "عبد الرحمان الأبنودي" و "صبري حافظ"
غزلية مطلعها :
"حبيبتي...
عيناك بلغتان
عيناك
كخرمتي منخار ليلنا العميق
......
و حين سرت تحت سور الداخلية العريض
قررت أن أبيض"
صلاح عيسى
من " بيان مشترك ضد الزمن"