زحف بعض السنتمترات بصعوبة . إنهال عليه الحصى من سقف النّفق محدثا رنينا على خوذته.
وجّه المصباح الكهربائي نحو فوهة الحفرة، سحب ما تكدّس من الحجارة أمام الحفرة، بانت صفائح الصّندوق
و مساميره. ناوله مساعده المنبطح خلفه فرشاة،أزال بها جزءا من الغبار المتراكم على الصندوق. ثمّ طلب من المعاون
تدعيم الجانب الايمن من النّفق بخشبات لمنع تساقط الحجر و الحصى. مدّ يده، و لامس بظاهرها صفائح الصندوق .
************************
منذ شهرين إستدعاه السيّد عبد المطيع بوعمود رئيس اللجنة الوطنية للتّراث لمقابلته بمكتبه الكائن بالطابق السابع
بمبنى الوزارة . أدخله الحاجب إلى قاعة فسيحة جلس في اٌخرها صاحب الخطّة. كان بدينا ، قصيرا، بالكاد تص ل
رجلاه إلى الارض. زيّنت حيطان القاعة بنسخ من التّماثيل الشّهيرة، الاٌلهة “ديان ” ، “ إنتصار سموطراس ” ،
مفكّر “رودان”، الإله “ ابّلون ” عَارٍ ، نصفُُ علويّ للامبراطور “سبتيم سيفار” و أعمال اٌخرى لم يتعرّف عليها.
في جزء من الحائط الخلفيّ صور و ميداليات من مؤتمرات و ندوات عالمية حول الادب السَنْسكرِيتِي. صاحب المكتب
أوّل عربيّ يتحصّل على الدكتوراه في هذا المجال و يعدّ كتابه “ إستعمال الفعل المضارع في ملحمة البهامراتا ”
أهمّ مرجع في الموضوع في جامعة “ إلفيدانلداش ” بالهند. صافحه مستقبله و دعاه إلى الجلوس.
- لن أطيل عليك... أنت على علم بالتأكيد أنّني عيّنت عضوا باللجنة المشرفة على تنظيم احتفالات الذكرى السادسة
و العشرين ...
لاحظ من موقع جلوسه، أنّ تمثال “ أبّلون ”، دون التّماثيل الأخرى، بقامته ، و عُريه، و حجم واحدة من خاصّياته الجسديّة ، يعطي للمكان هيئة قاعة متحف. بدا له الأمر غريبا و كاد أن يضحك .
- في ضيعة “ المسوار ” اكتشف فريق أجنبيّ قبر مأمور القضاء “ديميتريوس” معتمد المحصول الحوليّ بمقاطعة “أفريكا”...
تململ المتحدّث في كرسيّه،ثمّ غادر مكانه بعد مكابدة . لهث برهة و واصل :
- بجانب قبره استخرجت ناتئة رخاميّة بها نقائش تدلّ على وجود صندوق به صرّة...أريد هذا الصّندوق ...
أريد هذه الصّرة... قبل الذّكرى...خذ معك من تريد...و لا تهتمّ بالمصاريف... أريد سبقا اعلاميّا مدويا ...
***************************
ركّز دائرة ضّوء المصباح على إحدى صفائح الصندوق، و أعاد مسحها بالفرشاة، بدا له أنّها تحمل نقيشة .
طلب عدسة مكبّرة . تبيّن أنّ النّقيشة تبتدئ بالحرف الاتيني “B ”.
أحسّ بوجع في ركبتيه. لم يعد يتحمّل الزّحف في النّفق، و رائحة الرطوبة، والأتربة، و قلّة الحركة. نادى بصوت
عال :
- يا جماعة...تراجعوا من فضلكم حتّى مدخل السّرداب...و أشيروا على السّيد علي الغزيل بالدّخول للقيام بكشوف القيس و التّصوير.
ترجّل نحو الخيمة المنصوبة في مرتفع من أرض الحفريّات، قابلته سيّارة سوداء رباعيّة الدّفع رابضة. اندفع منه
فجأة رجلان، يحمل واحد منهما كميرا .
- سيّدي... هل لكم أن تخبروا مشاهدي قناة “ الممتازة ” عن سير الحفريات ؟
لم يجد ما يقوله. تسمّر في مكانه مندهشا . ترى من أعلمهم بتواجد فريق الباحثين في ضيعة “ المسوار ” ؟
- يقال أنّكم على وشك اكتشاف كنز ...
زاد وجهه تجهّما ، و صاح في وجههم :
- من سمح لكم بالدّخول إلى هذا المكان ؟...اخرجوا على الفور... يا عمّار...يا علي...
واصل مناداته لحرّاس الحضيرة دون جدوى. تراجع الزّوّار في الأثناء نحو سيّارتهم و غادروا المكان.
تذكّر بمرارة مكالمة هاتفيّة، كانت له بالأمس، مع زوجته. لامته مرّة أخرى على تسرّعه في قبول إدارة حضيرة
أبحاث “ ضيعة المسوار ”
-أنت تحلم...الدّنيا من حولك تتغيّر يوميّا...و الوقت يمرّ...ألم تستفزّك نزوات الدّكتور “ فعل المضارع ” هذا ؟
- ليس لي خيار يا “ لمياء” ... مستقبلي المهنيّ بين يديه... سأعود إلى أطروحتي حالما أنتهي من موضوع الحفرّيات
- لم أعد أصدّقك...تقول نفس الكلام في كلّ مرّة... البيت الذّي نسكنه ليس ملكنا... أمّا سيّارتك فعدم الحديث عنها أفضل...
- ماذا تريدينني أن أفعل...عدى التّاريخ الرّوماني لا أفقه شيئا... لست قادرا على بيع الفواكه الجّافة أو المتاجرة
في البضائع الصّينية المهرّبة.
****************************
تحلّق كلّ عمّال الحضيرة حول طاولة الإجتماع لسماع جدول توزيع المهام و التوصيّات اليومية :
- ...يبدو أنّ شخصا ما يسرّب أخبارا غريبة حول ما نقوم به.المرغوب منكم عدم التّحدّث عن الحضيرة حتّى مع
أقربائكم... كما أذكّركم أنّ تواجد الاشخاص غيرالعاملين معنا ممنوع في محيط الحفريّات. خرجوا في جلبة.
فتح درجا على يمينه وسحب منه ملفّا ، رنّ في الأثناء هاتفه الجوّال، بحث عنه تحت ركام من الأوراق . لبث برهة
يستمع إلى مخاطبه ثمّ قاطعه :
- ...الخبر... الخبر اليقين... الصّوت رديء... قلت ... رمضان الكانوني من صحيفة الخبر اليقين...
أمال رأسه إلى صدره و سكت. عاوده الشّكّ أنّ نفرا من طاقمه يخبر يوميّا الصّحفيين. تذكّر إلحاح من تسمّيه
زوجته، إزدراء، “الدكتور فعل المضارع” بوجوب التّكتّم التّام حول الحفريّات و نتائجها.
-... و من قال لكم انّنا اكتشفنا صندوقا يحتوي قطعا من النّقد الذّهبيّ ؟... كلّ هذا الكلام هراء...
قفل الهاتف واسترخى بقدر ما يمكنه الاسترخاء، أغمض عينيه، فتحهما بعد لحظات،هرش رأسه،فكّر في أن يقوم ليعدّ لنفسه فنجانا من القهوة. سمع ضجّة عند باب الخيمة، عاد إلى مجلسه، دخل مساعده حاملا “الصّندوق” محفوفا بفريق البحث، مستنفرين، عالية أصواتهم كجحافل محبّي كرة القدم يوم الأحد في شوارع المدينة.
اكتفى باشارة من يده، خرج اغلبهم، صامتين،خائبي الأمل، خاصّة بعد أن اقترح أحدهم منذ قليل أن يقع الاحتفال بهذا الاكتشاف العظيم. ناوله المساعد الصّندوق قائلا :
- استعملنا ورقا حكّاكا متوسّطا كما امرت و استعنّا بمخرز... انظر يبدو أنّها كلمة لاتينية...BONIS
- أظنّ أنّ طول الصّفيحة المعدّة للنّقش يفترض وجود كلمات أخرى... واصل الحكّ و حاذر... لا تضغط بقوّة.
واصل المساعد الحكّ و الخرز حتّى بانت احرف أخرى...OPERIBUS ... DICATA
- أظنّ أنّ النّقيشة لا تحتوي على كلمات آخرى...
تجمّعوا حول الصّندوق، ظلّوا متردّدين لعدّة دقائق. اقترحت إحدى الحاضرات، امرأة فارعة القامة هدلاء الشّفة :
- في رأيي، نستشير أستاذا في اللغة الاتينية.
- لا تطلبوا أحدا . يجب أن يبقى أمر هذا الصّندوق في ما بيننا. هذه تعليمات المسؤول الاوّل عن حفريّات ضيعة “المسوار”.
دخل عليهم فجأة أحد العاملين ممسكا لفافة من الصّحف اليوميّة . أخذتها منه المرأة الفارعة القامة و راحت تعدّد العناوين :
- “ الخبر اليقين” : إكتشاف كنز بضيعة المسوار ... طالعوا الصّفحة 14
- “ الحقائق الثّابتة” : ضيعة المسوار ... لماذا كلّ هذا التّكتّم ؟
- “ الرّقيب” : أسرار الاميرة بونيس . التّفاصيل الصفحة 3
*******************************
انتشر الخبر و فشا في المدن . صار حديث النّاس في المقاهي و المصانع و الادارات و ساحات المعاهد .قال بعضهم
إنّ فريقا من الباحثين الامركان حلّ منذ أسبوع بالبلاد بطلب من السّلطات العليا، و اعتبر فريق آخر أنّ الاكتشاف
ضُخّم أمره أكثر من اللازم. ردّد جمع سمى نفسه “ الهيئة الوطنية من أجل نصب تذكاريّ للاميرة بونيس” أنّه
سيردّ على كلّ المشكّكين بكلّ الوسائل. انفردت صحيفة “الخبر اليقين” بنشر صورة الدكتور عبد المطيع بوعمود
و هو يمسك بصندوق مصفّح بقطع نحاسيّة. في مساء نفس اليوم أقامت قناة “الممتازة” حوارا شاركت فيه ثلّة من
علماء الاثار و المثقّفين و الاعلاميين تحدّثوا باسهاب عن الصّندوق. و اعتبر أحد العلماء أنّ اكتشاف الصندوق هذا منعرج علميّ هام بالرغم من أنّه يسمع لأوّل مرّة اسم الاميرة “بونيس”.
و يقال، والعهدة على من روى، إنّ بعض الاباء سمّوا بناتهم بونيس و أنّ شركة لصنع صابون الغسّالات قامت
بترويج منتوج جديد ضدّ البقع المستعصية سمّته “بونيستاكس”. تساءل أعضاء فريق البحث عن مصدر الاشاعة
خاصّة و أنّهم يعرفون أنّ الاميرة المزعومة لا وجود لها. ثمّ تخاصموا مع الدكتور بوعمود.
أحسّ الدكتور بوعمود بخطورة الموقف، خاصّة بعد أن اُعْلمَ أنّ اللجنة الوطنية تفرّعت عنهاهياكل جهويّة ، خاف
عندئذ أن يفلت منه إكتشافه و سبقه الاعلاميّ. كان يتابع يوميّا ما تنشره الصّحافة عن الكنز و عن الاميرةبونيس.
و لم يقبل أن يفنّد كلّ ما كان يشاع كما نصحه بذلك مستشاروه.
*********************************
اكتضّت القاعة الكبرى بمن دعي إليها من كبار المفكّرين و العلماء و رجال الاعلام. بدت في صدر المجلس فوق المنصّة
الدكتورة حكيمة الفكرون المتخصّصة في المعمار النيو-بيزنطي،و هي في نقاش حادّ مع رئيس تحرير مجلّة “الفكر
المغاير” . من الجهة اليمنى انتصب البروفيسور “انبرتو كاتزو” استاذ الادب السنسكريتي بجامعة “ فِيّا بنديرا”
بمدينة باليرمو و بجانبه رئيس “اللجنة الوطنية من أجل نصب تذكاريّ للاميرةبونيس”الحاج يوسف مفتاح . زيّنت
المنصّة بصور لحضيرة حفريّات “ضيعة المسوار” كما نصّبت شاشة كبيرة.
تجمهرت كوكبة من المصوّرين و من تقنييّ التلفزيون والصّحافيين أمام طاولة وضع عليها الصندوق . تزاحموا،
هاجوا ماجوا، تلاكموا بالمرفق،سقطت بعض النظّارات و القبّعات ثمّ تجمّدوا فجأة عندما تسمّر الدّكتور بوعمود أمام
المصدح :
- سيّداتي سادتي. مرحبا بالحضور الكريم و أخصّ بالذكر منهم السّادة الضّيوف المبجّلين القادمين من البلدان
الشّقيقة و الصّديقة... أودّ أن أسدي شكري الخاص لمنظّمي هذا الحفل على حرفيّتهم في تنسيق فعليات هذا اليوم
المشهود...و أظنّ أنّ ذلك ليس بغريب عن بلد له شهرة وباع كبيران في إقامة التظاهرات. أشكر مسؤولي قناة
“الممتازة”على بثّهم المباشر لهذا الحفل البهيج...و اليوم و بعد عناء كبير و مكابدة شديدة و مجهودات تذكر فتشكر
...و بطلب من الجمهور و بعد الحاحه... قرّرنا...
أسدل الدكتور “كاتزو” أجفانه و أخذته غفوة من النّعاس. واصل الدكتور بوعمود خطابه :
- ...قرّرنا فتح الصّندوق بحضوركم و أمام ملايين المشاهدين...
ركّز رأس المنحتة عند فتحة في اعلىالصندوق. ضرب بالمطرقة. انفتح الصّندوق.اشتعلت أضواء عشرات آلات
التصوير. ظهرت على الشاشة الصرّة، بيضاء . فتحها الدكتور...و عندها...ضجّت القاعة ضحكا.
سالم بن يحيى ديسمبر 2006
docteur en litterature sanskrite
ou vas tu les cherher tes personnages?
ton ironoe fait mouche!!!
جميلة قصة الصّرة
دكتور الأداب السنسسكريتية عظيم
انت تجيد التّهكم
تحيّاتي
ahla ya slouma
malla sourra....
tout le monde te passe le bonjour et te salue ici à tokyo
el jélia etounisia el kol te suit depuis longtemps.
:)
Merci de m’avoir rendu visite, cela m’a permis de découvrir ton univers, enfin pas dans le détail mais j’ai déjà trouvé le blog…
Amicalement :)
حلوة القصة
زعمة آش لقاو في الصرّة؟
bonjour Salem c'est en effet de salubrité publique d'une façon globale mais essorra allah we3lem qu'est ce qu'on va trouver dedans
Au fait c'est une manière de t'inviter aussi à visiter mon blog
merci Ali Saidane
أنت يا عمّي مالك و مال الفعل المضارع
دكتورك ده منو الو ف للاسف
تحيّاتي