إن المتأمّل في مراحل تطوّر الفكر النهضوي في البلدان العربية، و خاصة في موضوع المرأة، يرى أنّ هذا الفكر
قد بني على التراكم الحاصل من 1830 تاريخ رجوع رفاعة الطهطاوي من باريس إلى حدود نشر كتاب المصلح الاجتماعي التونسي الطاهر الحدّاد في 1930. قرن كتب فيه عن المرأة ، رفاعة الطهطاوي، الشدياق، احمد ابن أبي الضياف( انظر تدوينتي في 13 أوت 2007 حول رسالته في المرأة هنا ) خير الدين التونسي، بيرم الخامس، قاسم أمين، جمال الدين الأفغاني، و الطاهر الحدّاد.
كانت البلدان العربيّة في تلك الحقبة من التاريخ ترزح تحت ثقل التخلف الاقتصادي و السياسي. كانت مجتمعات
زراعية بدأ ينخرها التوغّل التجاري الأوربي الذي كانت أهدافه اكتساح أسواق جديدة و البحث عن مواد أولية رخيصة.
ركيزة البناء السياسي في هذه البلدان، الحكم الفردي المتسلط ( و لم يتغير للأسف منذ ذلك الزمن).
و كانت بنية العائلة في تلك الحقبة، تركيبة يطغى عليها فكر ديني محنط منذ قرون يختزل دور المرأة في الإنجاب
و القيام بشؤون العائلة من مأكل و غسل الثياب و تربية الأطفال.
أظنّ أن الطاهر الحدّاد يمثل أهم حلقة في التسلسل التاريخي لحلقة دعاة تحرير المرأة لما احتوى كتابه "امرأتنا في الشريعة و المجتمع" من مواقف جريئة إذا ما اعتبرنا الحالة التي كان عليها المجتمع التونسي في أوائل القرن الماضي.
كل من درس موضوع الإصلاح الاجتماعي في البلدان العربية يلاحظ أن من أسلفنا ذكرهم سافروا إلى أوروبا عديد المرّات و عاينوا ما تتمتع به المرأة في أوروبا من حقوق و كانوا بحكم معرفتهم للغات الأجنبية قادرين على قراءة ما يكتب في الموضوع( عدا الأفغاني و كان له من يترجم له الكتب). الوحيد الذي لم يسافر للخارج كان الطاهر الحدّاد الذي
منذ 1920 انصهر في الصراع الاجتماعي و السياسي ضد فرنسا بكتاباته في الصحف و مساندته لمحمد علي الحامي مؤسس جامعة عموم العملة بتونس.
أقول أن الحداد أهم حلقة في فكر الإصلاح، لأنه ذهب ابعد من غيره في تشخيص الحالة المتعفنة التي كان عليها المجتمع التونسي في تلك الفترة.
فقاسم أمين الذي درس بفرنسا تتلخص دعوته إلى تحرير المرأة في المطالبة بالعودة بالحجاب إلى الحد الشرعي و بتعليم المرأة إلى حدود الابتدائي و أن لا تخرج المرأة للعمل إلا للضرورة و أن لا تلتحق بكل ميادين الشغل.و يطالب بان يتقيد حق الرجال في الطلاق و لا يسمح بتعدد الزوجات إلا للضرورة الملحة. كل هذا واضح و جلي في كتبه "المصريون"
و "تحرير المرأة".
انظروا ما كتب الحداد في هذه المواضيع في "امرأتنا في الشريعة و المجتمع" :
<<...ما اشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منها للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلب كي لا يعض المارين...>>( صفحة 115 من طبعة1930).
<<...إن الحجاب قد منع المرأة من التعليم و القدرة على الاقتصاد و إدارة شؤون المعاش اليومي...>>>(صفحة 115)
<<...التعليم...حاجة الإنسان الكبرى في الحياة و يجب أن يكون شائعا بين افراده بقدر ما لهم من المواهب و الاستعداد للانتفاع به...>>(صفحة 129).
<<...يجب أن تتعلم المرأة العلوم الرياضية و الطبيعة...>>...<<...و الحرف و الصناعات للكسب منها>>( صفحة 132).
<<...ما زال أكثرنا يتمسك بان تعدد الزوجات من أول ما تحمي الشريعة بقاءه...فيا للتعاسة و الجهل...>>( صفحة 35).
و في موضوع المساواة في الميراث لم يدع الحداد للشك موقعا فكتب بصريح العبارة:
<<...لا يمانع في هذا المساواة من كامل وجوهها متى انتهت أسباب التفوق و توفرت الوسائل الوجبة...>>( الوسائل الموجبة يقصد بذلك النصوص القانونية صفحة 19).
تتجلّى نباهة و نباغة الطاهر الحدّاد في انه تمكن في ظرف وجيز( عاش 36 سنة) من بلورة أفكار تقدّمية لعصره
في ميدانين هامين في المجتمع التونسي في الثلث الأول من القرن الماضي قضية المرأة و وضع الشغيلة.
شكرا يا قصّة على هذا النص الجيّد.
ملاحظة : الا يخيفك استعمال كلمة النهضوي و كل الألتباسات التي عسى ان تخدث
@خليل
لماذا تريدني ان اخاف من استعمال كلمة
موجودة في لسان العرب منذ قرون و تستعمل في قاموس علوم الأجتماع و السياسة منذ اكثر من 120 سنة.
الذين سطوا على هذا المصطلح هم جماعة الأتجاه الأسلامي لا العكس. هذه الكلمة من قاموس و من موروث الحركات التقدمية في البلدان العربية و لم تتأثر بمحاولة تحويل وجهتها الأيديولجية من طرف الاسلاميين.