ولولت منبّهات سّيارات الركب عند توقّفها أمام مبنى قصر الثقافة. تسارع نسق عزف المجموعة الموسيقية
النحاسيّة الرّابضة على يمين المدخل . كان يقودها قارع طبل نحيف , عمود من العظام , يبدو أنه أقسم بأغلظ الأيمان هو و من معه على ترويع كل الحاضرين , رضّعا و شيوخا. اهتزّت يد "عمود العظام" على الطبل و أحدثت فرقعة دوّت كالمدفع . على الرصيف المقابل واصلت فرقة من الموسيقى الشعبية نعيقها "الليلة عيد, الليلة عيد ". تسارع الأطفال يمنة و شمالا و تحلّقوا حول سيارات رأس الركب. في أقلّ من دقيقة واحدة تحوّل لون السيارات من الأسود اللاّمع إلى ما يشبه الأتربة الرمادية المحيطة بالمكان. نزل من السيارة الثانية آدميّ يكاد ينفجر من كثرة السمنة, صاح في الأطفال, سبّهم, نعتهم بكل أسماء الطير و العناكب و الزواحف. استنجد بأعضاء لجنة التنظيم و لكن دون جدوى تذكر.
لفظت سيّارات الركب كلّ محتوياتها. تقدّم الجمع البهيج نحو مدخل البناية وسط شرائط البلاستيك الملوّن و لافتات تتغنّى بالمستقبل الواعد و تذكّر بالإنجازات الباهرة. "مرحبا بضيف واد العرعار" " مواطنو و مواطنات واد العرعار و إطاراتها مجنّدون لإنجاز المخطط الخماسي حتى لو استوجب ذلك عشرين سنة ".
كان على رأس الوافدين رجل طويل استو كالألف.كان يمضي مهرولا, ممتلئا بأهميته. لم تبق فوق رأسه إلا
بضع شعيرات رصّفها من اليمين إلى الشمال . التهم الرجل "الفزّاعة" المسافة الفاصلة بين السيارة و مدخل قصر الثقافة في لمح البصر مما أجبر مرافقيه على الجري.
في الأثناء كانت الكتلة الآدمية القابلة للانفجار في مباحثات حثيثة مع أطفال الحي لاستمالتهم, عسى أن يلتزمو مقابل حلويات و مشروبات , ألا يفسدوا الاجتماع .
وصل الوفد أمام منصّة قاعة جرباء كانت , في القرن الماضي, بيضاء الحيطان . تزاحم الوافدون بالمرفق .
أحس كل واحد منهم بخطورة الموقف . كان السباق على أشدّه . الكلّ يريد الجلوس بجانب الرجل" الفزّاعة".
عندئذ لوح إصبع في الفضاء محدثا كتلة من الضغط المرتفع . كان رافعه من النوع القابل للتقويس حسب الطلب, صوته من طبقة واحدة, وجه مصفرّ لا يقوى على الضحك و البكاء كسائر الناس, لاحظ الجميع أنه يردّد بصفة آلية كل ما كان يقوله الرجل الطويل.
عيّن "صوت سيّده" مكانا لكل واحد من المرافقين ثم مضى يتفقد ميكروفونات المنصّة.
زينت حيطان القاعة باللافتات و المعلّقات و تصدّرت صورته أماكن عديدة من المكان. ذهل الحاضرون
عندما شاهدوا أن سقف القاعة أيضا مغطّاة بصورته. كان أمرا مدهشا . كيف أدخلت رافعة في هذه القاعة!
قبالة المنصّة في الصف الأول تهاوت قرينات المرافقين على الكراسي. توسّطتهم زوجة "الفزاعة" . مصبوغة الشعر في لون أحمر قاني, ضخمة الردفين, عينان كليلتان بكحل مكثّف , شفتان داكنتان اسودّتا بقلم شفاه تسميه عاملات صالونات الحلاقة, ازدراء , ٌ حميّر الموتى ٌ . كانت تمسك بلفافة بيضاء صغيرة تتحرك من حين إلى آخر.ألقت باللّفافة أرضا فإذا هي كلب من نوع الكانيش.
في باقي الصفوف تجمع الحاضرون حسب الجاه ومنزلة الحسابات الجارية. وجهاء الإدارة. فلاحون, تجّار
كبار. متألّقون ومتسلقون . جاؤوا يسجلون حضورهم و يسندون ظهورهم . ٌ الدهر و الزّمان ما فيهم آمان
يا سي الطيب ٌ أعلنها بصرامة كهل في الأربعين كان يخاطب من جاوره بالجلوس . لم يعره" سي الطيب"
اهتمام إذ كان بصدد إتمام حفريات أنفية في حركة دقيقة و متأنية.
مباشرة خلف صفوف الوجاهة أجلس طابور من النسوة و الرجال صودروا للمناسبة بأمر من المسئول الأول
عن جهاز التعبئة, عمال حظائر, موظفون صغار, عاطلون عن العمل, و من ورائهم في آخر القاعة زمرة
المشوّشين تنتظر الحلويات و المشروبات .
انتصب الكميرمان قبالة الجمهور و صوّب آلته نحو صاحبة الشعر الأحمر القاني , تقدم يمنة , دهس عددا
من الأرجل , هرس رجل الكانيش , قصع حشرة كانت راجعة لجحرها , أرهق مساعده اللاهث وراءه , ثم تعثّر في كوابله و أنطرح جملة و تفصيلا على صاحب الحفريات . لم تترك الشرذمة المناوئة القابعة آخر القاعة, الفرصة تمرّ فصفّقت و علا ضحكها.
نقر رئيس الجلسة الميكروفون مرتين بإصبعه , تحسّس ربطة عنقه , ضمّ أطراف أصابعه اليمنى إلى اليسرى و قال :
- سيّدي المسئول الأول عن جهاز التعبئة, إخواني أعضاء القائمة المرشّحة , سادتي, سيّداتي , انه لمن دواعي الفخر والامتنان أن ألتقي بكم هذا اليوم ...
تجمّد في موقعه, ألفُُ منتصبةُُ, حمحم و واصل:
- إنكم تعرفون حرصنا على راحتكم و رفاهتكم... إن الحركية المتواصلة التي تشهدها بلادنا منذ سنين
والتي تدعّمت في السنوات الأخيرة بفضل الإجراءات و التوجيهات التي وقع إقرارها لفائدتكم و خصوصا الخطة الإستراتجية التي شكلت الإطار الأمثل لمواصلة دعم نشاط اقتصادنا و تعزيز مناعة المسيرة التنموية....
خيم على الحضور جو من الدهشة... و لم يفهم أحد منهم ذرّة من التحليل الاستراتيجي الذي أتحفهم به "الدكتور “فزاعة".... ثم ارتفعت الهمهمات و الهمسات.... تثاؤب أحد الحاضرين ثم صفع ولي عهده.... ارتفع عويل الصبي . هرش "سي الطيب" مفترق فخذيه، كثر الهرج المنبعث من آخر القاعة مما أجبر “صوت سيّده” على النزول من المنصة . توجّه مسرعا نحو الصبية مستعينا ببعض رجاله و من بينهم الحاج مفتاح، رجل المهمات الصعبة , أمين سرّ لجنة الرعاية و الحيطة الاجتماعية سابقا. استغلّ بعض الحاضرين هذا التوقّف المؤقت للانسحاب .
بعد إسكات أصوات المشككين عضّ الخطيب شفته السفلى , ألقى بسترته جانبا , فكّ ربطة عنقه و وأضاف :
- راحتكم... ركيزة أساسية لبلوغ الأهداف المنشودة... باعتبار أنها تدعّم القدرة التنافسية و تدفع حركة الاستثمار و التشغيل و تخلق الابتكار و التجديد... نحن نتألم عندما نراكم مثقلين بالقفاف تنتظرون تحت لفح
الشمس أو عرضة للأمطار تنتظرون وصول الحافلة أو سيارة الأجرة..... نتأسف لمئات الكيلومتر التي تقطعونها لعيادة أهاليكم.... يغمرنا الحزن العميق عندما نتذكّر من غاب من أقاربكم....
تسلّل كلب الكانيش من تحت كرسيّ سيّدته و توجّه نحو ساق مضخّم الصوت ... رفع إحدى قوائمه الخلفية
شخ ّ... ثم رجع متراقصا إلى نقطة انطلاقه.
لذلك بعثنا منذ سنة لجنة لتدارس الأمر يرأسها الأخ الأمين العام للّجنة العليا للتعبئة ... و أعضاءها
من خيرة إطارات المنطقة ... مهندسون...و تقنيون أكفّاء في تصميم و ترتيب الفضاءات الجماعية كما
انظمّ إليهم خبراء في أللأمور الأمنية للإحاطة بالموضوع من كل جوانبه....أنتم تعرفون جيّدا أن تجربتنا في
التنظيم أبهرت العديد من الأجانب...
رنّ هاتف جوال , انبعثت موسيقى " ماما زمنها جيّه " , ارتبك الرجل البالون- الموشك على الانفجار ,
تلوّى محاولا استخراج أداة الجريمة من جيبه فلم يفلح . هرول نحو أسفل المنصة متّجها نحو الباب. لاحقته
أعين القاعة حتى غاب .استوى الخطيب –الفزاعة من جديد كعمود كهرباء وانهال على مستمعيه بوابل غزير
من المعلومات التقنية حول مشروع القرن المزمع إقامته في واد العرعار :
- ستة آلاف متر مربع مغطاة....من جملة أربعة عشر ألف متر مربع و هي المساحة الجملية للمشروع
ثمانية أجنحة ستخصّص اثنتين منها للنساء.... ثمانية ساحات فسيحة....ستة عشر برجا... و طابق سفلي مجّهز بأحدث التقنيات...جناح خاص للزوار... مبنى للإدارة مؤثث بأحدث ما يكون من أجهزة الاتصالات السّلكيّ و اللاسلكي و الاستشعار عن بعد و التكييف المركزي.
جال الخطيب و مال, أزال ربطة العنق و شمّر أكمام قميصه الوردي, تطاير بصاقه و أردف يقول:
- كنّا أخواني على حافة هاوية فخطونا خطوة إلى ألأمام و صحّحنا مسارنا . لم تعد تهمنا أقاويل الحاقدين
و المشكّكين , من بقلوبهم مرض . نحن على الدرب المستقيم نسير و بالمصلحة العليا نستنير.
قفز "صوت سيده" من مكانه و راح يصفّق بقوة مما أجبر بقية الزفّة على النسج على منواله.
- هذا مشروع القرن بالنسبة لمدينتنا , سنريح جمعا غفيرا من الناس من مشاقّ السّفر و المصاريف التي
تثقل كاهلهم . انجازاتنا السابقة و اللاحقة خير دليل على مسيرتنا. أخوتي و أخواتي قائمتنا لها الشرف العظيم أن تزف لكم بشرى أقرار الدولة و عزمها على بناء السجن المركزي الجديد بمدينتنا "واد العرعار".
سالم بن يحيى
مارس 2006
lol...j'ai aimé cette histoire..elle est cool. c'est bien ciblé et direct! Faites attention :)
je viens de decouvrir votre blog
wad el 3r3ar est 1 nvlle d'exellente qualite narrative
السلام علكم كتير حلو الاقصوصة
انشاء الله متابعة موفّقة
ahla slouma ya kbir elhouma ('n'aies pas la grosse tete adda tawa que les gens te disent qu'ils parrécient tes nouvelles)
bon, voila j'ai bcp aimé elwed el3ar3ar
l'histoire est très vraie et ça a un gout de deja vu, comme qui dirait on connait la chanson (pas ce que tu as écrit evidemment mais le contenu, on se comprend)
ça me semble très réel
de plus , j'ai apprécié le croquis de certains personnages comme le monsieur du forage et la dame moche au caniche.
j'attends la suivante, aya 3Ad ne nous laisse pas attendre, te fais pa désirer. ;))
biz laaziz
maya betta yahia
هاذي قصة ممتازة فعلا، ظاهرلي أحسن واحدة عجبتني، خاصة فازة:
" كنّا أخواني على حافة هاوية فخطونا خطوة إلى ألأمام"
:))
عجبوني "المفرخة" اللي قاعدين في آخر الصّالة
جماعة الّصائدين في الماء العكر