ضلّت المجتمعات العربيّة إلى أواسط القرن التّاسع عشر في وضع اقتصادي و اجتماعيّ متخلّف. و زاد هذا الوضع تأزّما مع الهجمة الاستعمارية. كان تدهور مستوى اللغة العربية من ابرز سمات هذا الانحطاط.
فمؤسّسات التعليم ( كتاتيب, مدارس, و جوامع) بقيت تدرّس نفس المواد الفقهيّة بأساليب بيداغوجيّة مهترئة ,
و ترفض إقحام المواد العلمية الصّحيحة. و أدّى بطء نموّ قوى الإنتاج في هذه المجتمعات إلى تكلّس اللغة,
حيث لم تكن النّاس في حاجة آنذاك إلى مصطلحات جديدة, كما هو الحال في أوروبا , و لا حتّى إلى متعلّمين.
و يظهر تدهور مستوى اللغة من خلال أدبيّات كبار مفكّري القرن التاسع عشر ( الطهطاوي, ابن أبي الضّياف...) و كذلك في الوثائق الرسمية حيث تختلط اللغة العربيّة الفصحى بالكلمات العامّية و الأعجميّة
و بتراكيب عجيبة تخلّى اصحابها فيها عن ابسط قواعد النحو و الصّرف.
هذه عيّنة من الرّسائل التي كان يكتبها موظّفو الدّولة التونسيّة ( "قيّاد"( ولاّة ) أو "خلفوات" (معتمدون) ) في أواسط القرن التّاسع عشر . جلّهم درس في مدارس تونس العاصمة ( العاشوريّة, السليمانية, الباشية...)
و تاله وصفاقس و توزر و القيروان و المنستير...أو زاول تعلّمه في المدرسة الحربية التي أنشأها احمد باي.
كاتب الرّسالة علي بن خليفة ( تحمل مدينة " بير علي" الموجودة جهة صفاقس اسمه) تعلّم ( ??? ) بالمدرسة
الحربيّة و يحمل رتبة آلاي أميني(colonel) .
من ألاي أميني علي بن خليفة قايد نفّات
إلى مصطفى خزندار
...و بعد سيّدي رعاكم الله كون عرفناكم باحضور الحلقة المعيد و هي يوم عشرين في شهر تريخ.و لما بلغنا الأجل حضرا البعض منهم و مترقبين الأحضور الجملا, حتى بلغت مكتيب من مجر والفرشيش و خبرو أنهم قتلو
الأجل سي العربي و من معاه. فرجعت اناس على ما كنت عليه و زياد و صرو يعدون في اناس الذي لحقو متوضفين في القتل و يستعينون بابعضهم في المكتيب. فلما بلغنا ذلك و ضهر لنا منهم قلت اصواب فضهر لنا ان نتوجه الا محلنا و يكون اجتمعنا بيهم في اهلنا مع الهماما و نفت و نحنو سيدي باقين مشتهدين في خدمة مولانا و سيّدنا نصره الله و ما كلفتنا به السياده و ربنا يصخر المواد و يدل الخلقه إلى اصواب و الخير. و ان ضهر الأسياده تعرفنا نقدمونهم و ما سيدي رعاكم الله ان جلاص فلا ضهر لنا منهم صواب بعد ذلك و زيدين عليهم
شبوك البلاي و باقين يقو فيهم. والتي نتحدث معهم الصبح و العشى ينقضو غدا معنا.
يكون في علم السيادة و نظر العلا إلى سيدنا و مولانا ادمت معاليه و إلى سيادتكم و نطلب من الله...يدوم لنا
ايام مولانا....و السلام
23 ذي الحجّة 1280
30 ماي 1864