السبت، 30 مايو 2009




  حوٌل أمل دنقل شاعر الصعيد مسألة الوطن، رغم مشاكله وأحزانه وآماله، إلى مسألة شخصية و هم ذاتي. خرجت صرخته، في الفضاء، الوطن .
كان أمل دنقل واضح الرؤية و تمكن من إيجاد حلول جمالية مبتكرة ، استخدم بنجاح أقنعة التراث . طوٌر أمل دنقل في شعره منذ البدايات الأولى وحتى "أوراق الغرفة 8" القصيدة التفعيلة إلى نوع من الشعرية الدرامية المحملة بالإحالات، التراثية و السياسية و الاجتماعية الساخرة . تتمثٌل الشعرية الدرامية في استخدامه للمونولوج والديالوج والحكاية واستعارة الشخصيات التراثية و كذلك عند توظيفه تقنيات السينما مثل المزج والقطع والارتداد (الفلاش باك). ["ميتة عصرية"، "الجنوبي"، "مقابلة خاصة مع ابن نوح"، و"الحزن لا يعرف القراءة"] .
يهتم دنقل بالتفاصيل الشديدة الصغر في قصائده، و كأنٌه سينمائي يستعمل اللقطة الصغيرة جدٌا[insert] . 
كانت هزيمة يونيو 1967(النكسة) بداية الإنعطافة الحقيقية لدنقل نحو الشعر. وفي الأيام الأولى للهزيمة كان أمل دنقل يقرأ قصيدة ( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) ، متخذا من الأسطورة رمزا :
أيتها العرافة المقدسة جئت إليك مثخنا بالطعنات والدماء
 أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدسة منكسر السيف، مغبر الجبين والأعضاء
أسأل يا زرقاء
كيف حملت العار مشيت، دون أن أقتل نفسي، دون أن أنهار
ودون أن يسقط لحمي من غبار التربة المدنسة

ثم يواصل في الاستعارة من الرموز التي بنت مخيال الناس (كلمات سبارتاكوس الأخيرة)، (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)، (تعليقا على ما حدث)، 
(أغنية الكعكة الحجرية)، وأخيرا، (لا تصالح): 
لا تصالح ولو منحوك الذهب أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبّت جوهرتين مكانهما
  هل ترى؟!
  هي أشياء لا تشترى
  ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك
  حسكما – فجأة – بالرجولة
  هذا الحياء الذي يكبت الشوق، حين تعانقه.
لا تصالح على الدم… حتى بدم
  لا تصالح ولو قيل رأس برأس أكل الرؤوس سواء؟!
  أقلب الغريب كقلب أخيك
  وهل تتساوى يد، سيفها كان لك
  بيد سيفها أثكلك

يعلق أمل دنقل في مجلة "آفاق عربية" 1981، يقول :
"حاولت أن أقدم في هذه المجموعة "حرب البسوس" التي استمرت أربعين عاماً عن طريق رؤيا معاصرة، وقد حاولت أن أجعل من كليب رمزاً للمجد العربي القتيل، أو للأرض العربية السليبة، التي تريد أن تعود إلى الحياة مرة أخرى، ولا نرى سبيلاً لعودتها أو بالأحرى لإعادتها إلا بالدم والدم وحده."
الموشك على الإنطفاء النهائي ينهي مسار تحديّاته للحياة والزمن ويستكين إلي قَدره 
 ثم نقرأ نقرأ لأمل دنقل ... من ذكريات الطفولة و هو طريح الفراش يترقٌب الموت [أوراق الغرفة 8]
  هل أنا كنت طفلاً
  أم أن الذي كان طفلاً سواي?
  هذه الصورة العائليّة
  كان أبي جالساً وأنا واقف تتدلى يداي
  رفسة من فرس
  تركت في جبيني شجا وعلمت القلب أن يحترس

ثم يمضي يتحدٌث عن الموت :
... فلماذا إذا مت؟
  يأتي المعزّون متّشحين
  بشارات لون الحداد
  هل لأن السواد
  هو لون النجاة من الموت
  لون التميمة ضد … الزمن
 ضد من…؟
  ومتى القلب - في الخفقان- اطمأن
 بين لونين أستقبل الأصدقاء
  الذين يرون سريري قبرا
  وحياتي دهرا 
  وأرى في العيون العميقة
  لون الحقيقة....لون تراب الوطن.
توفى أمل دنقل يوم 21 ماي 1983 .




تعليق غير معرف

بعيد عن الوطن إنه لم يتغنى بحب وطنه مثلما تغني لهذا الوجع الروحي وحول القضايا الوطنية المؤقتة لتيمات ستستمر طويلا وتوظيفه للتراث وإحساسه بالقهر الذي تعرض له اجيال أمل دائما يلاحقه صوت الكمان الذي كان يعرف مدى قوة الذهب على القلب

أحمد شهاب كاتب قصة من مصر